خادم الجناب المعظم
عدد المساهمات : 59 تاريخ التسجيل : 18/05/2012
| موضوع: شرح الأساس الثلاثاء يوليو 10, 2012 1:45 pm | |
| شرح الأساس
بسم الله الرحمن الرحيم
بدأ الأساس بالبسملة إقتدا بقول سيد أولي الألباب : (بسم الله الرحمن الرحيم مفتاح كل كتاب) (الحمد لله والشكر لله) أللإيقان بجلال الله (حمدا وشكرا من الله) بمنه سبحانه وتعالى (وإلى الله) صادرا من حضرته لأنه هو اللائق بعظمته وفي الحديث: (لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك) (كما يليق بعظمة ذات الله) وهو المناسب لكبرياء الإله ، (في كل لمحة) تلمحها العيون (ونفس) يتنفسه المتنفسون (عدد ما وسعه علم الله) وهذه الأعداد لا يحصيها كاتب ، (اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد صلاة أنال ببركتها حسن الختام) أي الذي هو أقصى المرام (صلاة بعدد تجليات الله لسيد الأنام) أي بعدد تجلي الحق للحضرة الأحمدية وذلك لا يتناهى وحق رب البرية (وعلى آله وصحبه) الذين هم هداتنا ومصابيح الظلام . (السلام) ثم يقول الذاكر: (اللهم إني أقدم إليك بين يدي كل (نفس)هو الصاعد من كل متنفس (ولمحة) يلمحها (ولحظة) يلحظها (وطرفة يطرف بها) جميع عوالمك (أهل السموات وأهل الأرض وكل شيء هو في علمك) يا محيطا بكل شيء (كائن) يبرز (أو قد كان) برز (أقدم إليك بين يدي ذلك كله) يا من وسع علمه كل شيء ، ] اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حفظُهُمَا وَهُوَ لْعَلِيُّ الْعَظِيمُ. [ ورد في الحديث عن موسى عليه السلام عن جبريل : (إن ربك يقول لك: من قال في دبر كل صلاة مكتوبة مرة واحدة : اللهم إني أقدم إليك إلى آخر آية الكرسي ، فإن الليل والنهار أربعة وعشرون ساعة ليس منها ساعة وإلا يصعد إلي منه فيها سبعون ألف ألف حسنة حتى ينفخ فيها إسرافيل في الصور وتشتغل الملائكة بكتب ثوبها وقال r : (إن أعظم آية في القرآن آية الكرسي من قرأها يبعث الله له ملك يكتب له من حسناته ويمحو من سيئاته إلى الغد من تلك الساعة) ، وورد مرفوعا : (إنها ما قرأت في دار إلا هجرتها الشياطين ثلاثين يوما ولا يدخلها ساحر ولا ساحره) ، وإلى غير ذلك من الأحاديث التي وردت في فضائلها . ثم يقرأ الذاكر آخر سورة البقرة ] لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَي كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (*) آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (*) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَي الَّذِينَ منْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَ أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَي الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ[ وفي الخبر مرفوعا : ( إنها نزلت من كنز تحت العرش ، وإن من قرأها في كل ليلة تكفيه) ، ثم يقرأ الذاكر ].شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (*) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ[ ، ثم يقرأ الذاكر ] قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَي كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (*) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ[ ثم يقرأ الذاكر (الإخلاص ثلاثا والمعوذتين مرة مرة ، والفاتحة مرة ، ذكر الجد في (جواذب القلوب) عن سيدي عبد الوهاب الشعراني عن الخضر عليه السلام قال (سألت أربع وعشرون ألف نبي عن استعمال شيء يأمن به العبد من سلب الإيمان ، فلم يجيبني أحد منهم حتى اجتمعت بمحمد r فسألته عن ذلك ؟ فقال : حتى أسأل رب العزة فقال : من واظب على قراءة آية الكرسي وآمن الرسول إلى آخر السورة ،وشهد الله إلى قوله : الإسلام ، وقل الله مالك الملك إلى قوله: بغير حساب وسورة الإخلاص والمعوذتين والفاتحة عقب كل صلاة أمن من سلب الإيمان) أقول : ولذلك جعلت هذه الأشياء العظيمة في الأساس لعظمة فائدتها بل هي بغية كل أحد وأعظم رأس مال كل ولي مؤمن ، ثم يقول الذاكر { استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه (ثلاثا)} وفي الحديث : {أن من قال ذلك ثلاث مرات غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر } وينوي في الأولى ما وقع منه في حين الأساس من التقصير والنقص وبالثانية ما خطر له من الخواطر الكونية ، وبالثالثة ما جرى على فكره من طلب ما سوى الله . ثم يقول الذاكر: (لا إله إلا الله محمد رسول الله في كل لمحة ونفس عدد ما وسعه علم الله ) فضل الكلمة لا يحصى ، وأسرارها لا تستقصى وبها الدخول في الإسلام والترقي لأعلى درجات الإيمان والإحسان ، قال الله تعالى : {فأعلم أنه لا إله إلا الله} وقال النبي r ( أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله ) إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة والواردة في فضلها ، ومن أراد ذلك فعليه ب (شرحنا الكبير على راتبنا) فقد بسطنا الكلام عليها هنالك وكل الطرق هي عمدة أذكارها ومنبع أسرارها ، والكلمتان هاتان عن سيدي أحمد بن إدريس تلقيتهما في المعابدة وهو واقف وذكر لنا أنه تلقاها من الحضرة العلية . قال الجد في (الجواذب) : في الذكر بالكلمتين وإفراد الأولى ما محصله إن من العارفين من اختار الجمع بين الكلمتين ليبوسة وحرارة الأولى فتردها الثانية لبرودتها ورطوبتها وإن من لا يتأذى بحرارة لا إله إلا الله وكانت موافقة لطبعه فالأولى له الإفراد وهي متضمنة معنى الثانية (مائة مرة نصف بالقلب ونصف باللسان) ، فما كان بالقلب فهو من سلك الطريقة (النقشبندية) وما كان باللسان فهو منها ومن باقي الطرق الأخرى المذكورة. ثم يقول الذكر (الله الله مائة ، نصف بالقلب ونصف باللسان) أيضا ، والشأن فيهما كل ما تقدم، وهذا الاسم هو سر الذات وسلطان الأسماء ، وأكمل الذكر به ، وأعظم الأمور بمدده وأسماء الحق كلها يتخلق بها إلا هذا الاسم فلا يتخلق به ، لان مضمونه الإلوهية ، وكان سيدي القطب الغوث أبو العباس المرسي t يحث أصحابه على كثرة الذكر به ويقول هذا الاسم سلطان الأسماء ، وله بساط وثمره ، فبساطه العلم وثمرته النور ، وإذا حصل النور حصل الكشف والعيان . ثم يقول الذاكر (هو هو مائة مرة نصف بالقلب ونصف باللسان) والشأن في التقسيم كما مره يا فهيم ، والذكر بالهوية له فيوضات بهية . قال سيدي عبد الله الميرغني في (الجواذب) : منهم ، أي من أهل الله من اختار الذكر بلفظ هو فإنه وإن كان موضوعا عند أهل الظاهر للإشارة ولا يتم إلا بمميز فهو عند أهل الباطن إخبار عن نهاية التحقيق وموضوع للدلالة على الحقيقة فيكتفون به عن كل بيان يتلوه لاستهلاكهم في حقائق القرب واستيلاء ذكر الحق على أسرارهم فما سواه لا شيء حتى تقع الإشارة إليه . ثم يقول الذاكر (حي قيوم مائة مرة نصف بالقلب ونصف باللسان) وقد مر البيان وهذا الذكر له في تنوير القلب وتصفيته وفتحه إلى مشاهدة الملكوت ،والإطلاع على الجبروت ، والفناء في اللاهوت شأن عظيم وقد قال كثير من أهل الله فيه : إنه هو الاسم الأعظم أخرج السيوطي في الجامع الصغير عن أسماء بنت يزيد أن رسول الله r قال: (اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين {وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم } {الله لا إله إلا هو الحي القيوم } وفيه عن أبي أمامة مرفوعا : اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في ثلاث سور من القرآن العظيم : في البقرة لأنه هو (الحي القيوم) ، وورد أنه : ( اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت الحنان المنان بديع السموات والأرض ذو الجلال والإكرام يا حي يا قيوم) ، والحاصل أن اسم الله الأعظم سبعة هو عشر حرفا ، ولا يقدر على الذكر به بالحال إلا الكمل ، ولا يعرف حقيقته إلا من تكمل ، وبعض من حروفه في بعض تركيب أسماء لها بعض الشأن .
مما قاله بعض العارفين في الذكر: أعلم أن (لا إله إلا الله ) قوت القلوب ، و(الله الله) قوت الأرواح (وهو هو) قوت السر .وأعلم أن هذه الثلاثة : أعني القلب والروح والسر ليست من عالم الخلق بل هي من عالم الأمر وهو المراد من قول القطب العيدروس قدس الله سره ونفعنا به : ثلاثة أحرف بين أهل العلم سارت ، قلوب الكل فيها قد تاهت ونارت . واختلف في محل هذه الثلاثة ، فأما القلب فلا خلاف في أنه يتعلق بالجنب الأيسر ، وأما الروح فهو يتعلق بالجنب الأيمن وقال : إن السر في الجنب الأيسر فوق القلب وقيل أن نور القلب أصفر ، ونور الروح أحمر ، ونور السر أبيض . وفي كلام بعضهم : إن القلب تحت الثدي الأيسر بأصبعين ، والروح تحت الثدي الأيمن بحذاء القلب والسر فوق الثدي الأيمن مائلا إلى وسط الصدر. وفي كلام البعض إن الروح تحت الثدي الأيمن والقلب تحت الثدي الأيسر ، والسر تحت أضلاع الصدر في الوسط .
قلت: والذي تقتضيه العبارة أن بعضها في البعض والسر في الروح والروح في القلب، ذلك ثلاث دوائر: الدائرة الأولى في القلب والدائرة الثانية التي هي وسط هذه الدوائر هي الروح، والدائرة الثالثة التي وسط هذه الدوائر هي السر. ولما كانت طريقة الإرادة لي هي (الختمية) جنحت إلى ذاك كما أشرت إليه . إذا علمت ذلك :
فأعلم أن مكاشفات القلوب لذلك بذكر (لا إله إلا الله) ، ومكاشفات الأرواح بذكر (الله الله) ،ومكاشفات الأسرار بذكر (هو هو) وقوت القلوب ذكر (لا إله إلا الله) ، وقوت الأرواح ذكر (الله الله) ،وقوت الأسرار ذكر (هوهو)، ف (لا إله إلا الله) مغناطيس القلوب و(الله الله) مغناطيس الأرواح (وهو هو) مغناطيس الأسرار ، فالقلب والروح والسر بمنزلة درة في صدفة في حقه فألحقه بمنزلة القلب ، والصدفة بمنزلة الروح ، والدرة بمنزلة السر وإن شئت قلت بمنزلة طائر في قفص في بيت فالبيت بمنزلة القلب والقفص بمنزلة الروح والطائر بمنزلة السر ، فهما لم تصل إلى البيت لا تصل إلى القفص ومهما لم تصل إلى القفص لا تصل إلى الطائر وكذلك مهما لم تصل إلى القلب لم تصل إلى الروح ومهما لم تصل إلى الروح لم تصل إلى السر ، فإذا وصلت إلى البيت فقد وصلت إلى عالم القلوب الذي هو عالم الملكوت المقابل لعالم الملك الذي هو عالم الشهادة ، أعني عالم الدنيا وإذا وصلت إلى القفص فقد وصلت إلى عالم الأرواح الذي هو عالم الجبروت وإذا وصلت إلى الطائر فقد وصلت إلى الحضرة اللاهوت ، وهو عالم الأسرار
وأعلم أنك متى فنيت عن عالم الشهادة هذا ، وهو عالم الملك الذي قدمناه وغبت عنه بدخول في عالم الملكوت يصير عالم الشهادة غائبا عنك ،وعالم الغيوب الذي هو عالم الملكوت شهادة لك ، أي تكون معاينا له تراه بعين بصيرتك ، فعالم الملك ما يرى بعين البصر وعالم الملكوت ما يرى بعين البصيرة ، وهذا عندهم هو الفناء الأول ، ولا يزال في سيره حتى يقطع هذا العالم لأنه كما أن الوقوف مع عالم الملك حجاب ، غير أن الأول حجاب ظلماني ، والثاني حجاب نوراني ، وأكثر ما يحتاج السالك إلى المشايخ في قطع هذا الحجاب ، فإنه بعض ظهوره ربما ظن السالك أنه وصل إلى المقصود فينحجب به وينقطع به ، فإذا جاوز عالم الملكوت وهو عالم القلوب ، دخل في عالم الجبروت الذي هو عالم الأرواح وهذا العالم غيبي بالنسبة إلى عالم الملكوت ، فيصير عالم الملكوت له غيبا وعالم الجبروت له شهادة فهذا مبدأ الفناء الثاني ، ولا يزال مستمرا على سلوكه ملازما على إقباله حتى يدخل حضرة اللاهوت وهو عالم الأسرار ، وهذا هو كمال الفناء الثاني ، ويسمى فناء الفناء ، فيفنى عن الخلق ويفنى عن فنائه، وهذا هو فناء منتهى سير السالكين ، وهو الفناء المحض ومن هنا يرجع إلى عالم البقاء ، المعبر عنه أيضا بالفرق الثاني ، وبالصحو بعد المحو ، ويعبر عنه أيضا بانصداع الجمع وبالفرق بعد الجمع بظهور الكثرة في الوحدة واعتبارها فيها ، ويعبر عنها بمحو المحو وفناء الفناء الذي هو عين البقاء وجمع الجمع ، وشهود الوحدة في الكثرة والكثرة في الوحدة فيحصل له شهود التفرقة في عين الجمع حيث لا يكون أحدهما حجابا عن الآخر ، فصاحب هذا المقام لا يحجبه الحق عن الخلق ولا الخلق عن الحق ، بل يشهد الحق في الخلق والخلق في الحق فيعطي كل ذي حق حقه وأما من شهد الظاهر فقط فإنه فني به عن المظهر فلم يشهده وهذا هو صاحب الجمع والاستهلاك والاضمحلال في الذات البحت ، وهو صاحب السير الأول من الخلق إلى الحق ، وهذه المنزلة هي المعبر عنها بالولاية ، وكذلك من يشهد المظهر فقط فإنه يفنى عنه الظاهر فلم يشهده وهو صاحب الذوق الأول ، وأما من يشهد جميعا فهو الذي لم يحجبه حق عن خلق ولا خلق عن حق وهو الراجع من الحق إلى الخلق مع شهود الحق وهذه المنزلة المعبر عنها بالفتوة ، وفناء الفناء ، والبقاء والتكميل في الورى ، وصاحب هذا المقام هو الذي له من كل المقامات واردات ، وفي كل الحضرات له مشاهدات ، ومن كل الأسماء عليه تجليات ، فتارة يتكلم بلسان الحقيقة مع استهلاك الصرف ، وتارة بلسان الصحو الثاني فرقا أو مع شيء من السكر ، وهو الذي يصلح للإرشاد ، لا أن هذا المقام هو مقام إرشاد المريدين وتربية السالكين ، فهذا المقام في الولاية بمنزلة الرسالة في حق المرسلين من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، لأنه مقام دعاء الخلق إلى الله بالله ، وهو المشار إليه مع مقام الولاية بقوله عليه الصلاة والسلام : (علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل ) و(العلماء ورثة الأنبياء) والحديث الأول وإن وقع فيه كلام من علماء الظاهر فقد تداولته في كتبهم وعلى ألسنتهم علماء الباطن ولنا أسوة بهم ولعله صح عندهم عن طريق الكشف ، كحديث (كنت كنزا مخفيا) فقد صححه كشف الشيخ الأكبر قدس الله سره في كتابه (الفتوحات المكية) . ثم يقول الذاكر (اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه بقدر عظمة ذاتك يا أحد) ولا يعلم أحد مقدار ذلك إلا الله المالك (ثلاثة عشر مرة) وهذا العدد له مدد يمد التالي إلى مراقي درج القطبية والغوثية ، كما يعلم من أطلع على درجة الولاية البهية ، ثم يقول الذاكر (اللهم بألف الابتداء)
(اللهم) أي يا الله أتوسل إليك وأسألك (بألف الابتداء) إشارة للحضرة العلية التي ظهرت عنها العوالم الخلقية ، وفي الحديث (إن الله قبض قبضة من نوره فقال لها كوني محمدا فكانت) ، وعن الحضرة المحمدية كل مكنون بدأ (وياء الانتهاء) لأن العود إليه كما يعلمه أولو النهى ، قال سيدي العارف بالله الفرد المغربي الشيخ محي الدين بن العربي :
أنظر إلى العرش إلى مائه وأعجب له من مركب سائر يسبح في بحر بلا ساحل وموجه أحوال عشاقه فلو تراه بالورى سائرا ويرجع العود إلى بدئه يكور الليل على صبحه فأنظر إلى الحكمة سيارة ومن أتى يرقب في شأنه حتى ترى في نفسه فلكه سفينة تجري iiبأسمائه قد أودع الحق بأحشائه في حندث الليل وظلمائه وريحه أنفاس أبنائه من ألف الخط إلى يائه ولا نهاية لإبدائه وصبحه يفنى بإمسائه في وسط الفلك وأرجائه يقعد في الدنيا بسيسانه وصنعه الله في إنشائه
(وبالصفات العلى) أي بصفات الجليل المولى وكمالاته لا تتناهى
، وصفاته للكمالات منتهاها (وبالذات يا أعلى) أي ذات العلي الأعلى وكنه الذي هو بغية كل حر ومولى ، ولا يصل إليه أحد ولا يحيط به مجلى (صل على سلطان المملكة) المتصرف فيها وهي بيده ممسكة ، (وإمام الحضرة المقدسة) التي فيها الأنوار والأسرار المحمدية مؤسسة ، وهو إمام هذه الحضرة وكل الحضرات ، وزمام جميع الدواوين الإلهيات والمنصات وهي حظيرة في باطن العرش وفيها سجاجيد من أنوار الفرش على ألوان شتى من أخضر وأحمر وأبيض وأصفر جالس عليها الرسل والأنبياء وكبار الأولياء والعارفين والأتقياء وفيها مواضيع خالية لمن برز ومن لم يبرز من الأجلاء ، وجمع من الملائكة الأجلاء وبصدرها الرسول r جالس بأعلى ذورها مع تعدد مظاهره وبجانبه اليمين الخليل وموسى الكليم وعيسى ويليهم السادات أهل التكريم وبجانبه الآخر آدم ونوح وشعيب ويليهم بعض أكابر الرسل ليس في ذلك ريب ،غير أن الأنبياء ليسو كلهم متتابعين بل في وسط الجمع متفرقين ، وموضع يرى فيه برنامج الكمالات وبجانبه الصديق والفاروق وعثمان ذو الخيرات وعلي ، ويليهم كبار الصحب والأولياء ، وبالجانب الآخر الزهراء والحسنان وبعض من له منزلة فخرى ويليهم بعض أهل البيت وكبار المقربين كما يعلم ذلك من له ذوق الواصلين . وإذا حصل اصطفاء لبعض الأكابر وأراد الحق إظهاره في الدواوين : أي دواوين الكون العلوية والسفلية وضع له كرسيا في وسط هذه الحضرة المقدسة وجعل بجانبه منبرا وعليه بهجة بهية ، وجلس على المنبر المصطفى ، وقعد على الكرسي ذلك الولي الذي حصل له هذا الاصطفاء ونادى جبريل : إن الله أحب فلانا فأحبوه ، فيحبه أهل العوالم العلوية ويوضع له القبول في الأرض ويكون محبوبا عندهم إلا ابن آدم فيتخالف أمرهم فيه وينتفع به من فتح الله قلبه وكان نبيها ، قال سيدي العارف بالله ابن العربي رضي الله عنه وببركته عظيم مشربي : مررت أنا وبعض الأبدال بجبل قاف ورأينا الحية المحيطة به فقال لي البدل سلم عليها فسلمت عليها فرددت علي السلام وقالت : كيف حال أبي مدين عندكم ؟ فقلت لها : هل تعرفين أبا مدين ؟ قالت:إن الله منذ اتخذه وليا لم يبقى شيء في الكون إلا عرفه إلى آخر الحكاية. وفي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال : (إن الله تعالى إذا أحب عبدا دعا جبريل قال إني أحب عبدي فلانا فأحبه ، فيجيبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول : إن الله أحب فلانا فأحبوه ، فيجيبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض) وفي البعض ذكر نحوه قال الجد الميرغني كان لي وله الغنى
حم بالحمى القدسي وأخرج عن الأكوان وأجلس على الكرسي حتى عن النفس يشير إلى هذا المشهد . بهذا الكلام المنشد . وفي الحديث عن علي كرم الله وجهه أن رسول الله r قال : (إن الله تبارك وتعالى جعل حول العرش موضعا يسمى حظيرة القدس وهو من النور فيه من الملائكة ما لا يحصي عددهم إلا الله تعالى ، يعبدون الله تعالى عبادة لا يفترون عنها ساعة واحدة ، فإذا كان ليالي رمضان استأذنوا ربهم عز وجل أن ينزلوا إلى الأرض ويصلون مع بني آدم فكل من مسهم أو مسوه سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا) وهذه الحضرة هي أجمع حضرات الحق كما أن حضرة البساط الأحمدي هي أجمع الحضرات النبوية ويعلم ذلك من تحقق (المفيض على الملأ الأعلى) من الملائكة الكروبيين المعروفين عندنا بالمهيمين ، وهم ملائكة خلقوا من نور الجمال وغيبوا فيه على التوالي فلا يفيقون في الدارين والأفراد على قدمهم في الشهود بلا مين ، وكذا هو عليه السلام المفيض على ملائكة التصريف ، ولا ملك في العوالم إلا وله نصير، (من وراء حجبك الجلاء) أي مددهم وما بهم يترقون ، والحجب بحسب حال المخلوقين ، (من قامت به عوالم الجبروت) فجميع أحوالها وأطوارها به لها الثبوت ، (وظهرت عنه عوالم الملك والملكوت) والملكوت هو : عالم السموات ، والملك هو : عالم الأرض ، والجبروت : عالم العرش .
واعلم أن كل العوالم عنه r ظهرت ومنه برزت، ومن نوره خلقت. أخرج الشيخ الأكبر ابن العربي أفاض الله علينا من نوره الأفخر في كتابه المسمى (بلغة الخواص إلى معدن الإخلاص) عن جابر رضي الله عنه قال : (سألت رسول الله r عن أول شيء خلقه الله تعالى ؟ فقال :هو نور نبيك يا جابر خلقه الله ثم خلق فيه كل خير ، وخلق بعده كل شيء وحين خلقه أقام قدامه في مقام القرب اثني عشرة ألف سنة ثم جعله أربعة أقسام : فخلق العرش من قسم والكرسي من قسم ، وحملة العرش وخزنة الكرسي من قسم وأقام القسم الرابع في مقام الحب اثني عشر ألف سنة ، ثم جعل أربعة أقسام فخلق القلم من قسم ، واللوح من قسم والجنة من قسم ، وأقام القسم الرابع في مقام الخوف اثني عشرة إلف سنة ثم جعله أربعة أجزاء : فخلق الملائكة من جزء ، والشمس من جزء ، والقمر والكواكب من جزء وأقام الجزء الرابع في مقام الرجاء اثني عشر ألف سنة ، ثم جعله أربعة أجزاء فخلق العقل من جزء ، والعلم الحكمة من جزء ، والعصمة والتوفيق من جزء وأقام الجزء الرابع في مقام الحياء اثني عشر ألف سنة ، ثم نظر الله عز وجل إليه فترشح النور عرقا فقطر منه مائة ألف وأربعة وعشرون ألف قطرة من النور ، فخلق الله من كل قطرة روح نبي أو روح رسول ، ثم تنفست أروح الأنبياء فخلق الله تعالى من أنفاسهم الأولياء والشهداء والسعداء والمطيعين إلى يوم القيامة . فالعرش والكرسي من نوري ، والكروبيين من نوري ، والروحانيون والملائكة من نوري ، والجنة وما فيها من النعيم من نوري ، وملائكة السموات السبع من نوري ، والشمس والقمر والكواكب من نوري ، والعقل والتوفيق من نوري ، وأروح الرسل والأنبياء من نوري ، والشهداء والسعداء والصالحون من نتاج نوري ثم خلق الله اثني عشر ألف حجاب فأقام الله نوري ، وهو الجزء الرابع في كل حجاب ألف سنة وهي مقامات العبودية والسكينة والصبر والصدق واليقين ، فقمس الله ذلك النور في كل حجاب ألف سنة فلما أخرج الله النور من الحجب ركبه الله في الأرض ، فكان يضيء منه مابين المشرق والمغرب كالسراج في الليل المظلم ، ثم خلق الله آدم من الأرض فركب فيه النور في جبينه ، ثم انتقل منه إلى شيث وكان ينتقل من طاهر إلى طيب ومن طيب إلى طاهر إلى أن أوصله الله إلى صلب عبد الله بن عبد المطلب ومنه إلى رحم آمنة بنت وهب ثم أخرجني إلى الدنيا فجعلني سيد المرسلين ، وخاتم النبيين ، ورحمة للعالمين ، وقائد الغر المحجلين ، هكذا كان خلق نبيك يا جابر) ، فمن هذا علمت أن جميع المخلوقات ظهرت من نوره وغمرها بفيضه وسره (المطمطم) أي الملآن (بالأنوار العلية) من الحضرة الوهبية ، (والكنز الذي لا يعرفه على الحقيقة إلا مالك البرية) الكنز في الأصل هو : المجموع من المتاع النفيس من الجواهر ونحوها والغالب أن يدفن ولا يعرفه أحد إلا مدخره ودافنه ، وهو r كنز علوم الحق وأسراره ودقائقه الحقية وكبير أنواره الظاهرة الجلية ،ولا يعلم حقيقة جماله إلا مولاه ،ولا يحيط بما حواه من الغرائب إلا من أولاه وفي الحديث : (والله لا يعرفني حقيقة غير ربي) فأنظر إلى حقيقة المجتبى (ترجمان الرحمن) أي المترجم لهم عن كل شريعة وحقيقة وعرفان ولذا قال : (لعباده بالإحسان) الذي هو بشارة لأهل العرفان (في حضرة الامتنان) أي ومن حضرة المنة واسم الله المنان الصادرة منه كل نعمة (بلسان اللطف والحنان) والرأفة مع إيضاح البيان (بقوله: لو لم تذنبوا وتستغفروا لأتى الله بقوم يذنبون ويستغفرون فيغفر لهم أو كما قال ) في الحديث احترازا من تغيير بعض لفظ الحديث ، وعن السيوطي في الجامع الصغير أنه r قال : (لو أنكم لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون ليغفر لهم) وغير ذلك من البشائر والأشائر ما يعم الأكابر والأصاغر (المكمل لعباد الله) الطالبين لحضرة الإله (بالنفحات القدسية) المتلقي لها من الحضرة الإلهية المفيضة لأهل المشاهد الجلية وفي الحديث عنه r أنه قال : (تعرضوا لنفحات ربكم فإن لربكم في دهركم نفحات) قال الجد الميرغني في آخر حكمه في مناجاته :
{أسأل الله نفحة ولو لمحة تقلب ناسوتيتي ملكوتية وملكوتيتي جبروتية وجبروتيتي لاهوتيتة ولاهوتيتي إلهية ، حتى أتحقق بمقام السمع والبصر والبطش بك يا الله } (والمؤيد لهم بالظهورات الأنسية) في ترقيهم إلى الدواوين الإلهية ذلك وأن العارفين والسالكين أهل التمكين إذا ضعفت قواهم عن حمل ما يرد عليهم من التجليات والأحوال والكماليات يمدهم بالقوة سيد السادات لكن العارفون يظهر لهم المدد الرباني فيتقوون برؤيته ، (والعرش كما يليق بهما) إذ هو مظهر تجليات الحق وأنواره العلية كما يفهم ذلك أهل الفتق والرتق ، قال شيخنا ذو التقديس سيدي أحمد بن إدريس في صلواته : {عرش رحمانية الذات} (من ظهر الرب من أجله من العماء) فلولاه ما خلقت الأكوان ، ولا ظهر الحق ولا أبدع الكيان . وفي الحديث القدسي: (لولاك ما خلقت عرشا ولا كرسيا ولا جنة ولا نار)، وفي الحديث حيث قيل له r: (أين كان ربنا قبل أن يخلق الخلق ؟ قال : في عماء) ، (ذروة الدواوين الإلهية) أي رسمها وأصلها عليه مبنى أهلها ورأسها ، (ترجمان الحضرات الصمدانية) والمعبر لهم عن الحضائر الحقية والحضرات الصمدانية ، وهو قول سيدنا العارف مصطفى البكري في منفرجته :
بعماء كنت به أزلا بمحمد من جاء بالبلج
وقد تكلمنا عليها في شرح راتبنا ومن أراد الوقوف على الحقيقة فعليه به (رواح المعارف) أي سر زبدتها ومنه صدرت (العلمية) المفاضة من حضرة اسم الله الرحمن الوهاب والعليم الفتاح (ومادة الحقائق النورانية) منه مددها وهوأصلها وفروعها فإنها لا تبرز إلا منه ولا يمد بها أهلها إلا عنه (المتجلي في سماء الربوبية) فلا يظهر الحق إلا به ولا شهد المقربون إلا مجلاه وسره. قال العارف سيدي البكري في بعض صلواته : {من لا تجلي أشعة الله لقلب إلا من مرآة سره هو و النور المطلق} ، وهو المتخلق بأخلاق الحق كما وصفه في قوله الصدق وهو: {بالمؤمنين رءوف رحيم} وأمر بالتخلق بأخلاق مولاه فقال : (تخلقوا بأخلاق الله) لتنالوا حال الفناء في الحضرة العلية التي هي أصل الغني ، وكان r يقول مفهما الناس حال كمال فنائه في الحق وشأن الوصول : (لي وقت لا يسعني فيه غير ربي) فلذا كان يضيق عن حال كمال فنائه كل الكون ولا يسعه إلا نور الإله ، قال بعض العارفين : الذي ظهر لموسى قدر أنملة الخنصر من النور المحمدي المستغرق في حضرة البر (ولم يفهم ذلك سوى أهل المتكآت البسطية) على الأرائك النورانية في الواوين الكمالية ، والمناظر الفردانية ، فإنهم إذا تمكنوا في الشهود في حضرة المعبود علموا أن ما شهدوه من وراء حضرة المصطفى ، لا يخرق الحجاب وهذا هو عين الشقاء , أما من كان في أوائل الشهود فيظن أنه شهد بذلك النور المحمدي وهو خاطئ ليس في ذلك على الحقيقة مهدي ، قال الغوث سيدي عبد السلام بن مشيش رضي عنه العلام : {وحجابك الأعظم القائم لك بين يديك} قال الجد الميرغني أفاض علينا من فيضه الغني في بعض صلواته : {الظاهر بك في كل المظاهر} . وقال أيضا صلاة أخرى : (مجلى الذات والصفات ، ومجمع الأسماء والمسميات) ، (قلب القلوب الواسعة للبر) وهي قلوب الكمل من الأولياء أهل الفخر . وورد في بعض الأحاديث القدسية : (ما وسعني سمائي ولا أرضي وإنما وسعني قلب عبدي المؤمن) فهذه القلوب روحها وسرها الذي وسعت به التجلي هو نور من الحضرة المحمدية في ذلك الفؤاد متدلي . قال العارف البكري :
القلب بيت iiالتجلي إن لم تكن تدري فدري
قال قطب أهل السطح أبو يزيد كبير أهل الشطح : {لو اجتمع العالم بما فيه ألف ألف الف مرة ومثله معه ما ملأ زوايا من زوايا قلب العارف} . ويظهر لبعض الكمل في ترقيهم أحوال يشهدون فيه العالم من فرشه إلى عرشه في قلبه ، ويشهدون جميع الكون فيه وأهل مشاهدته الكاملة ، ويرى من علوه بارزا إليه التجلي ، وهذا حال لا يفهمه إلا من ذاق هذا الكمال المجلي ، (والقرآن الذي حوى سر المقدم والمؤخر) القرآن معناه : الجامع ، هو r السيد الساطع جميع العلوم والكمالات والأسرار والتجليات . قال شيخنا ذو التقديس سيدنا السيد أحمد بن إدريس أمدنا الله بمدده النفيس في بعض صلواته {قرآن حقائق الذات وفرقان تجليات الصفات} ، (فما في الإمكان) لا مطلقا بل (بحسب ما قضاه الديان) وألزم نفسه ذلك وهو القادر المالك ولكن أوجب على نفسه وحتم أن لا يبرز مثله وبذلك رسم أن لا يرى (أبدع منه عند مولاه) وهذا هو الذي ارتضاه (ولا من تجلى عليه الله) فإن الكامل في المشاهدة لا يرى مثله أحد جمع المحامد ، (فهو الباطن الذي يرى منه الله) وهو المتجلي الذي يشاهد فيه الإله فلا يرى الحق إلا به ولا يبرز إلا بسببه . قال شيخنا العارف بالله سيدي أحمد بن إدريس {كيف لا يا رسول الله ، ومن لوح كنهك قرأ المقربون كلهم حقيقة التجليات} (وهو الظاهر الذي تجلى به الله) فيشهده العارفون في كل المجالي وعرفوه في كل مظهر جمالي وجلالي . قال بعض الكمل في بعض صلواته {أظهرته بصورتك ، واخترته مستوى لتجليك} وقال سيدي العارف العاكف مولانا القطب سيدي السقاف في صلواته ضمن النبي r لمن قرأها الجنة –{اللهم صل على سيدنا محمد صاحب الصورة القدسية المنزلة من سماء قدس غيب الهوية} ، (اللهم بالساجد عند العرش) أي الذي يسجد يوم الشفاعة الكبرى في الدار الآخرة ويمنح المحامد التي هي محتوية على الثاء الجميل للملك الجليل ، كما في حديث : (فأخر ساجدا فأحمده بمحامد يعلمنيها) أي في ذلك الوقت بحسب تجليه والأمور الموجبة لأحوال ذلك اليوم وما فيه (ومن هو سر العرش) الذي من نوره خلق ومن فيضه فتق كما مر لنا في حديث جابر وهو أمر مشهور لذي المخابر (أدخلنا فوق الفرش) المتقدم ذكره في باطن العرش ،وفي حضرة القدس ،ومحل البسط والأنس ، (واحملنا) حملا مصحوب بالعناية محفوظا بالرعاية ليكون ترقينا بك لا بأنفسنا وأعمالنا بل بمنك (إلى الديوان الأعلى) والمشهد المشهد الكبير الأجلى ، وهو حضرة ديوان الكبرياء الأقدس ومجلى الإله الأنفس ، مظهر مخاطبات الأسماء بعضها بعضا ، في إبراز المكونات طولا وعرضا ، فيقول الاسم مثلا الحي القيوم أقم ، ويقول مثلا القيوم للحي : أمد بالحياة وتمم وهكذا بحسب مظهر كل رسم يناجيه أخوه ويبرز ذلك الاسم ما أبرزه لمتجليه وقد ذكر هذا الديوان سيدي وأستاذي القطب النفيس مولاي الشريف أحمد بن إدريس في بعض أحزابه نفعنا الله بسره الأنيس فقال في آخر ذكر ذلك التجلي {ترجمان حضرة ديوان الكبرياء الأقدس} يعني به سيدنا محمد صاحب الكمال الأنفس ويكون يا مولانا هذا الترقي إلى هذا الديوان المنقي (مع الديوان الأجلى) الجامع لأسرار المولى سيدنا محمد واسطة الخواص ، الموصل لهم إلى مناهل الإختصاص (على باطن منبع سر) مشرب الفيوضات سر كمال القائل في التعبير عن مشهد له : {إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقني} قال بعض أهل الأحوال : هو أمر حسي ، وقال بعض العارفين هو مدد قدسي والكل صحيح لمن له تنقيح {فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء) ومالك أمره {إليه ترجعون} فإن النهاية إلى حضرته ، والغاية هي شهود نضرته (اللهم بألف الابتداء)
(اللهم) أي يا الله أتوسل إليك وأسألك (بألف الابتداء) إشارة للحضرة العلية التي ظهرت عنها العوالم الخلقية ، وفي الحديث (إن الله قبض قبضة من نوره فقال لها كوني محمدا فكانت) ، وعن الحضرة المحمدية كل مكنون بدأ (وياء الانتهاء) لأن العود إليه كما يعلمه أولو النهى ، قال سيدي العارف بالله الفرد المغربي الشيخ محي الدين بن العربي :
أنظر إلى العرش إلى مائه ***وأعجب له من مركب سائر يسبح في بحر بلا ساحل *** وموجه أحوال عشاقه فلو تراه بالورى سائرا *** ويرجع العود إلى بدئه يكور الليل على صبحه *** فأنظر إلى الحكمة سيارة ومن أتى يرقب في شأنه *** حتى ترى في نفسه فلكه سفينة تجري بأسمائه *** قد أودع الحق بأحشائه في حندث الليل وظلمائه *** وريحه أنفاس أبنائه من ألف الخط إلى يائه *** ولا نهاية لإبدائه وصبحه يفنى بإمسائه *** في وسط الفلك وأرجائه يقعد في الدنيا بسيسانه *** وصنعه الله في إنشائه (وبالصفات العلى) أي بصفات الجليل المولى وكمالاته لا تتناهى
، وصفاته للكمالات منتهاها (وبالذات يا أعلى) أي ذات العلي الأعلى وكنه الذي هو بغية كل حر ومولى ، ولا يصل إليه أحد ولا يحيط به مجلى (صل على سلطان المملكة) المتصرف فيها وهي بيده ممسكة ، (وإمام الحضرة المقدسة) التي فيها الأنوار والأسرار المحمدية مؤسسة ، وهو إمام هذه الحضرة وكل الحضرات ، وزمام جميع الدواوين الإلهيات والمنصات وهي حظيرة في باطن العرش وفيها سجاجيد من أنوار الفرش على ألوان شتى من أخضر وأحمر وأبيض وأصفر جالس عليها الرسل والأنبياء وكبار الأولياء والعارفين والأتقياء وفيها مواضيع خالية لمن برز ومن لم يبرز من الأجلاء ، وجمع من الملائكة الأجلاء وبصدرها الرسول r جالس بأعلى ذورها مع تعدد مظاهره وبجانبه اليمين الخليل وموسى الكليم وعيسى ويليهم السادات أهل التكريم وبجانبه الآخر آدم ونوح وشعيب ويليهم بعض أكابر الرسل ليس في ذلك ريب ،غير أن الأنبياء ليسو كلهم متتابعين بل في وسط الجمع متفرقين ، وموضع يرى فيه برنامج الكمالات وبجانبه الصديق والفاروق وعثمان ذو الخيرات وعلي ، ويليهم كبار الصحب والأولياء ، وبالجانب الآخر الزهراء والحسنان وبعض من له منزلة فخرى ويليهم بعض أهل البيت وكبار المقربين كما يعلم ذلك من له ذوق الواصلين . وإذا حصل اصطفاء لبعض الأكابر وأراد الحق إظهاره في الدواوين : أي دواوين الكون العلوية والسفلية وضع له كرسيا في وسط هذه الحضرة المقدسة وجعل بجانبه منبرا وعليه بهجة بهية ، وجلس على المنبر المصطفى ، وقعد على الكرسي ذلك الولي الذي حصل له هذا الاصطفاء ونادى جبريل : إن الله أحب فلانا فأحبوه ، فيحبه أهل العوالم العلوية ويوضع له القبول في الأرض ويكون محبوبا عندهم إلا ابن آدم فيتخالف أمرهم فيه وينتفع به من فتح الله قلبه وكان نبيها ، قال سيدي العارف بالله ابن العربي رضي الله عنه وببركته عظيم مشربي : مررت أنا وبعض الأبدال بجبل قاف ورأينا الحية المحيطة به فقال لي البدل سلم عليها فسلمت عليها فرددت علي السلام وقالت : كيف حال أبي مدين عندكم ؟ فقلت لها : هل تعرفين أبا مدين ؟ قالت:إن الله منذ اتخذه وليا لم يبقى شيء في الكون إلا عرفه إلى آخر الحكاية. وفي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال : (إن الله تعالى إذا أحب عبدا دعا جبريل قال إني أحب عبدي فلانا فأحبه ، فيجيبه جبريل ثم ينادي في السماء فيقول : إن الله أحب فلانا فأحبوه ، فيجيبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض) وفي البعض ذكر نحوه قال الجد الميرغني كان لي وله الغنى
حم بالحمى القدسي *** وأخرج عن الأكوان وأجلس على الكرسي *** حتى عن النفس يشير إلى هذا المشهد . بهذا الكلام المنشد . وفي الحديث عن علي كرم الله وجهه أن رسول الله r قال : (إن الله تبارك وتعالى جعل حول العرش موضعا يسمى حظيرة القدس وهو من النور فيه من الملائكة ما لا يحصي عددهم إلا الله تعالى ، يعبدون الله تعالى عبادة لا يفترون عنها ساعة واحدة ، فإذا كان ليالي رمضان استأذنوا ربهم عز وجل أن ينزلوا إلى الأرض ويصلون مع بني آدم فكل من مسهم أو مسوه سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا) وهذه الحضرة هي أجمع حضرات الحق كما أن حضرة البساط الأحمدي هي أجمع الحضرات النبوية ويعلم ذلك من تحقق (المفيض على الملأ الأعلى) من الملائكة الكروبيين المعروفين عندنا بالمهيمين ، وهم ملائكة خلقوا من نور الجمال وغيبوا فيه على التوالي فلا يفيقون في الدارين والأفراد على قدمهم في الشهود بلا مين ، وكذا هو عليه السلام المفيض على ملائكة التصريف ، ولا ملك في العوالم إلا وله نصير، (من وراء حجبك الجلاء) أي مددهم وما بهم يترقون ، والحجب بحسب حال المخلوقين ، (من قامت به عوالم الجبروت) فجميع أحوالها وأطوارها به لها الثبوت ، (وظهرت عنه عوالم الملك والملكوت) والملكوت هو : عالم السموات ، والملك هو : عالم الأرض ، والجبروت : عالم العرش .
واعلم أن كل العوالم عنه r ظهرت ومنه برزت، ومن نوره خلقت. أخرج الشيخ الأكبر ابن العربي أفاض الله علينا من نوره الأفخر في كتابه المسمى (بلغة الخواص إلى معدن الإخلاص) عن جابر رضي الله عنه قال : (سألت رسول الله r عن أول شيء خلقه الله تعالى ؟ فقال :هو نور نبيك يا جابر خلقه الله ثم خلق فيه كل خير ، وخلق بعده كل شيء وحين خلقه أقام قدامه في مقام القرب اثني عشرة ألف سنة ثم جعله أربعة أقسام : فخلق العرش من قسم والكرسي من قسم ، وحملة العرش وخزنة الكرسي من قسم وأقام القسم الرابع في مقام الحب اثني عشر ألف سنة ، ثم جعل أربعة أقسام فخلق القلم من قسم ، واللوح من قسم والجنة من قسم ، وأقام القسم الرابع في مقام الخوف اثني عشرة إلف سنة ثم جعله أربعة أجزاء : فخلق الملائكة من جزء ، والشمس من جزء ، والقمر والكواكب من جزء وأقام الجزء الرابع في مقام الرجاء اثني عشر ألف سنة ، ثم جعله أربعة أجزاء فخلق العقل من جزء ، والعلم الحكمة من جزء ، والعصمة والتوفيق من جزء وأقام الجزء الرابع في مقام الحياء اثني عشر ألف سنة ، ثم نظر الله عز وجل إليه فترشح النور عرقا فقطر منه مائة ألف وأربعة وعشرون ألف قطرة من النور ، فخلق الله من كل قطرة روح نبي أو روح رسول ، ثم تنفست أروح الأنبياء فخلق الله تعالى من أنفاسهم الأولياء والشهداء والسعداء والمطيعين إلى يوم القيامة . فالعرش والكرسي من نوري ، والكروبيين من نوري ، والروحانيون والملائكة من نوري ، والجنة وما فيها من النعيم من نوري ، وملائكة السموات السبع من نوري ، والشمس والقمر والكواكب من نوري ، والعقل والتوفيق من نوري ، وأروح الرسل والأنبياء من نوري ، والشهداء والسعداء والصالحون من نتاج نوري ثم خلق الله اثني عشر ألف حجاب فأقام الله نوري ، وهو الجزء الرابع في كل حجاب ألف سنة وهي مقامات العبودية والسكينة والصبر والصدق واليقين ، فقمس الله ذلك النور في كل حجاب ألف سنة فلما أخرج الله النور من الحجب ركبه الله في الأرض ، فكان يضيء منه مابين المشرق والمغرب كالسراج في الليل المظلم ، ثم خلق الله آدم من الأرض فركب فيه النور في جبينه ، ثم انتقل منه إلى شيث وكان ينتقل من طاهر إلى طيب ومن طيب إلى طاهر إلى أن أوصله الله إلى صلب عبد الله بن عبد المطلب ومنه إلى رحم آمنة بنت وهب ثم أخرجني إلى الدنيا فجعلني سيد المرسلين ، وخاتم النبيين ، ورحمة للعالمين ، وقائد الغر المحجلين ، هكذا كان خلق نبيك يا جابر) ، فمن هذا علمت أن جميع المخلوقات ظهرت من نوره وغمرها بفيضه وسره (المطمطم) أي الملآن (بالأنوار العلية) من الحضرة الوهبية ، (والكنز الذي لا يعرفه على الحقيقة إلا مالك البرية) الكنز في الأصل هو : المجموع من المتاع النفيس من الجواهر ونحوها والغالب أن يدفن ولا يعرفه أحد إلا مدخره ودافنه ، وهو r كنز علوم الحق وأسراره ودقائقه الحقية وكبير أنواره الظاهرة الجلية ،ولا يعلم حقيقة جماله إلا مولاه ،ولا يحيط بما حواه من الغرائب إلا من أولاه وفي الحديث : (والله لا يعرفني حقيقة غير ربي) فأنظر إلى حقيقة المجتبى (ترجمان الرحمن) أي المترجم لهم عن كل شريعة وحقيقة وعرفان ولذا قال : (لعباده بالإحسان) الذي هو بشارة لأهل العرفان (في حضرة الامتنان) أي ومن حضرة المنة واسم الله المنان الصادرة منه كل نعمة (بلسان اللطف والحنان) والرأفة مع إيضاح البيان (بقوله: لو لم تذنبوا وتستغفروا لأتى الله بقوم يذنبون ويستغفرون فيغفر لهم أو كما قال ) في الحديث احترازا من تغيير بعض لفظ الحديث ، وعن السيوطي في الجامع الصغير أنه r قال : (لو أنكم لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون ليغفر لهم) وغير ذلك من البشائر والأشائر ما يعم الأكابر والأصاغر (المكمل لعباد الله) الطالبين لحضرة الإله (بالنفحات القدسية) المتلقي لها من الحضرة الإلهية المفيضة لأهل المشاهد الجلية وفي الحديث عنه r أنه قال : (تعرضوا لنفحات ربكم فإن لربكم في دهركم نفحات) قال الجد الميرغني في آخر حكمه في مناجاته :
{أسأل الله نفحة ولو لمحة تقلب ناسوتيتي ملكوتية وملكوتيتي جبروتية وجبروتيتي لاهوتيتة ولاهوتيتي إلهية ، حتى أتحقق بمقام السمع والبصر والبطش بك يا الله } (والمؤيد لهم بالظهورات الأنسية) في ترقيهم إلى الدواوين الإلهية ذلك وأن العارفين والسالكين أهل التمكين إذا ضعفت قواهم عن حمل ما يرد عليهم من التجليات والأحوال والكماليات يمدهم بالقوة سيد السادات لكن العارفون يظهر لهم المدد الرباني فيتقوون برؤيته ، (والعرش كما يليق بهما) إذ هو مظهر تجليات الحق وأنواره العلية كما يفهم ذلك أهل الفتق والرتق ، قال شيخنا ذو التقديس سيدي أحمد بن إدريس في صلواته : {عرش رحمانية الذات} (من ظهر الرب من أجله من العماء) فلولاه ما خلقت الأكوان ، ولا ظهر الحق ولا أبدع الكيان . وفي الحديث القدسي: (لولاك ما خلقت عرشا ولا كرسيا ولا جنة ولا نار)، وفي الحديث حيث قيل له r: (أين كان ربنا قبل أن يخلق الخلق ؟ قال : في عماء) ، (ذروة الدواوين الإلهية) أي رسمها وأصلها عليه مبنى أهلها ورأسها ، (ترجمان الحضرات الصمدانية) والمعبر لهم عن الحضائر الحقية والحضرات الصمدانية ، وهو قول سيدنا العارف مصطفى البكري في منفرجته :
بعماء كنت به أزلا *** بمحمد من جاء بالبلج وقد تكلمنا عليها في شرح راتبنا ومن أراد الوقوف على الحقيقة فعليه به (رواح المعارف) أي سر زبدتها ومنه صدرت (العلمية) المفاضة من حضرة اسم الله الرحمن الوهاب والعليم الفتاح (ومادة الحقائق النورانية) منه مددها وهوأصلها وفروعها فإنها لا تبرز إلا منه ولا يمد بها أهلها إلا عنه (المتجلي في سماء الربوبية) فلا يظهر الحق إلا به ولا شهد المقربون إلا مجلاه وسره. قال العارف سيدي البكري في بعض صلواته : {من لا تجلي أشعة الله لقلب إلا من مرآة سره هو و النور المطلق} ، وهو المتخلق بأخلاق الحق كما وصفه في قوله الصدق وهو: {بالمؤمنين رءوف رحيم} وأمر بالتخلق بأخلاق مولاه فقال : (تخلقوا بأخلاق الله) لتنالوا حال الفناء في الحضرة العلية التي هي أصل الغني ، وكان r يقول مفهما الناس حال كمال فنائه في الحق وشأن الوصول : (لي وقت لا يسعني فيه غير ربي) فلذا كان يضيق عن حال كمال فنائه كل الكون ولا يسعه إلا نور الإله ، قال بعض العارفين : الذي ظهر لموسى قدر أنملة الخنصر من النور المحمدي المستغرق في حضرة البر (ولم يفهم ذلك سوى أهل المتكآت البسطية) على الأرائك النورانية في الواوين الكمالية ، والمناظر الفردانية ، فإنهم إذا تمكنوا في الشهود في حضرة المعبود علموا أن ما شهدوه من وراء حضرة المصطفى ، لا يخرق الحجاب وهذا هو عين الشقاء , أما من كان في أوائل الشهود فيظن أنه شهد بذلك النور المحمدي وهو خاطئ ليس في ذلك على الحقيقة مهدي ، قال الغوث سيدي عبد السلام بن مشيش رضي عنه العلام : {وحجابك الأعظم القائم لك بين يديك} قال الجد الميرغني أفاض علينا من فيضه الغني في بعض صلواته : {الظاهر بك في كل المظاهر} . وقال أيضا صلاة أخرى : (مجلى الذات والصفات ، ومجمع الأسماء والمسميات) ، (قلب القلوب الواسعة للبر) وهي قلوب الكمل من الأولياء أهل الفخر . وورد في بعض الأحاديث القدسية : (ما وسعني سمائي ولا أرضي وإنما وسعني قلب عبدي المؤمن) فهذه القلوب روحها وسرها الذي وسعت به التجلي هو نور من الحضرة المحمدية في ذلك الفؤاد متدلي . قال العارف البكري :
القلب بيت التجلي *** إن لم تكن تدري فدري
قال قطب أهل السطح أبو يزيد كبير أهل الشطح : {لو اجتمع العالم بما فيه ألف ألف الف مرة ومثله معه ما ملأ زوايا من زوايا قلب العارف} . ويظهر لبعض الكمل في ترقيهم أحوال يشهدون فيه العالم من فرشه إلى عرشه في قلبه ، ويشهدون جميع الكون فيه وأهل مشاهدته الكاملة ، ويرى من علوه بارزا إليه التجلي ، وهذا حال لا يفهمه إلا من ذاق هذا الكمال المجلي ، (والقرآن الذي حوى سر المقدم والمؤخر) القرآن معناه : الجامع ، هو r السيد الساطع جميع العلوم والكمالات والأسرار والتجليات . قال شيخنا ذو التقديس سيدنا السيد أحمد بن إدريس أمدنا الله بمدده النفيس في بعض صلواته {قرآن حقائق الذات وفرقان تجليات الصفات} ، (فما في الإمكان) لا مطلقا بل (بحسب ما قضاه الديان) وألزم نفسه ذلك وهو القادر المالك ولكن أوجب على نفسه وحتم أن لا يبرز مثله وبذلك رسم أن لا يرى (أبدع منه عند مولاه) وهذا هو الذي ارتضاه (ولا من تجلى عليه الله) فإن الكامل في المشاهدة لا يرى مثله أحد جمع المحامد ، (فهو الباطن الذي يرى منه الله) وهو المتجلي الذي يشاهد فيه الإله فلا يرى الحق إلا به ولا يبرز إلا بسببه . قال شيخنا العارف بالله سيدي أحمد بن إدريس {كيف لا يا رسول الله ، ومن لوح كنهك قرأ المقربون كلهم حقيقة التجليات} (وهو الظاهر الذي تجلى به الله) فيشهده ا | |
|