اقسام البدعة
أردت أن ابين فى هذا الباب أقسام البدعة حتى يتجلى للمسلم حقيقة البدعة الممنوعة من غير الممنوعة فقد حملت طائفة الوهابية على كل مخترع ومستحدث بانه بدعة ضاره والبدعة فى اللغه كل ما استحدث بغير مثال سابق وشرعاً هى كل ما اخترع واستحدث بعد زمن النبي صلى الله عليه وسلم وباجماع أهل السنة والجماعة هى الشئ الذى لم يرد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندما ظهرت الفتن كقطع الليل المظلم وغزت الثقافات الغربية الافكار . حملت طائفة الوهابية التى بثت السموم من عقائد فاسده وتكفير المسلمين ورموا كل ما لا يوافق هواهم بانه ابتداع مرفوض ويحملون الحديث الذى اخرجه البخارى على ظاهره ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أصدق الحديث كتاب الله وإن احسن الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار ) وما رواه مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من احدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ).
عندما ناخذ من نصوص الكتاب والسنة ينبغى ان تكون قواعدنا فى الاستنباط الأخذ عمن استنبط لا أن نستنبط نحن وليس هذا مباحاً أن نجتهد مع وجود النص أو نستخدم عقولنا فنلقى بانفسنا الى التهلكة سُئل الأمام أحمد بن حنبل ايستنبط من يحفظ مائة ألف حديث قال : لا قيل له ايستنبط من يحفظ مائتى الف حديث قال : لا قيل له ايستنبط من يحفظ ثلاثمائه الف حديث قال لعله يتقن . واشترطوا لمن يريد أن ياخذ الادلة من الكتاب والسنة ان يجمع بين علوم القرآن حفظاً وقراءات وتفسيراً واسباب النزول وناسخ ومنسوخ وعلوم الحديث وحفظة رواية ودراية وعلوم اللغة العربية حتى اشترطوا ان يعرف طرفاً من أشعار الجاهلية أو يكون على المستوى اللغوى الذى نزل عليه القرآن الكريم وينبغى ان يشهد له من علماء عصره بالاجتهاد حتى تُصان عتبات الكتاب والسنة عن العبث والتلاعب.
ولنرجع الى أصل الموضوع وحديث البخارى الذى تقدم ذكره وحديث مسلم ، قال امام الجرج والتعديل أمير المؤمنين فى الحديث ابن حجر العسقلانى فى كتابه فتح البارى البدعة تجرى عليها احكام الشريعة الخمس (1) بدعة واجبة يجب أن تبتدعها فى الدين (2) بدعة مستحبة (3) بدعة مباحة (4) بدعة مكروهه (5) بدعة حرام .
البدعة الواجبة : ـ
هى التى تقتضى الى ابتداعها حاجة المسلمين كجمع القرآن فى مصحف واحد ، انما قام بجمعه سيدنا ابوبكر الصديق رضى الله عنه وأكمله سيدنا عثمان بن عفان رضى الله عنه خوفاً ان يموت حفظة القرآن ويفتقد أهله فى المعارك الناشبة بين الحق والباطل ، وكجمع الحديث النبوي فى الكتب وكان فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم محفوظاً فى الصدور ولم يدون وخشى العلماء أن يضيع الحديث النبوي ولا يوجد له أهل فقاموا بتدوينه .
وهذا الجمع للقرآن والسنة كان بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكون حكمه ابتداع واجب ، والواجب هو الذى يثاب فاعله ويعاقب تاركه . وايضاً من البدع الواجبة ظهور المذاهب الاربعة وكان الناس فى عهد النبي الكريم لا يعرفون المذاهب وبعد ان اختلط الاعاجم بالعرب وظهرت قوى الاعتزال وفقد الناس الحكم الذى يتعبدون به قام أهل المذاهب بوضع الاحكام التعبدية حتى لا تضطرب صفوف المسلمين وأجمع اهل العلم سلفاً وخلفاً ان المتعبد على واحد من هذه المذاهب ناجٍ . وما اختلفوا فيه رحمة ومن اراد التقليد فشرطه معرفة الحكم ويقع صحيحاً.
ومن البدع الواجبة تأليف الكتب فى الرد على المفترين على الاسلام والمجترئين على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ولم يكن هذا موجوداً فى عهد النبي الكريم وانما هو بدعة ابتدعت بعده تحمل الوجوب ، ومثل اقامة الاماكن التى تُعلم فيها علوم الشريعة المطهرة حيث كثر عدد المسلمين واحتاجوا لاقامة مدارس مستقلة لتدريس علوم الشريعة الغراء وهى بدعة لم يفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم ولا اصحابه انما كانو يدرسون فى المساجد . وجد ابو هريرة الناس فى السوق فقال لهم : أنتم هنا و ميراث رسول الله يقسم فى المسجد فذهب الناس الى المسجد فوجدوا حلقة العلم ففهموا ما قصده ابو هريرة .
البدعة المستحبة
هى التى اشترط لها الامام الشافعى شرطين ، قال الشرط الاول ان يكون لها اصل من الكتاب والسنة بمعنى هى فرع تعود لأصل من الكتاب والسنة ولم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم ولها أصل ممدوح فى الشريعة . والشرط الثانى أن لا تتعارض مع حكم من أحكام الشريعة ، وغالب ما عليه الناس اليوم فى امور عباداتهم التى جاءت فى هذا الزمان من البدع الحسنة مثل قيام الليل فى رمضان عشرين ركعة فى أول الليل وثمان ركعات فى آخر الليل و الترتيب على هذا النحو الآن موجود فى الحرم وهو بدعة لم يرتبه النبي صلى الله عليه وسلم ولا اصحابه ولا التابعون وانما احدث فى المائة سنة الاخيرة وهى بدعة حسنة لأن النبي الاكرم يقول ( الصلاة خير موضوع ) اذ أن الصلاة والنفل أمر مطلوب فى الشريعة وليس فيها شئ يخالف أحكام الله سبحانه وتعالى . وجمع الناس فى صلاة القيام ( التراويح )خلف قارئً واحد تم ذلك بأمر عمر بن الخطاب رضى الله عنه الذى قال : ( نعمت البدعة ) وقد اوضح الأمام النووى اقسام البدعة الخمسة وادلتها فى تهذيب الاسماء واللغات . ومن البدع المستحبة اضاءة المساجد بالقناديل وحدث هذا فى عهد عمر رضى الله عنه واتخاذ المناخيل لطحن الذرة كان بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل هذه الأشياء لم يكن فيها معارضة للأحكام فى شئ .
البدعة المباحة
وهى جميع ما كان من شؤون الحياة مما لا يخالف أمر الله تعالى مثل النظارة والسيارة وكجمع ألوان الاطعمة فى إنا واحد ولم يجمع صلى الله عليه وسلم بين ادامين فى إناء واحد قط.
البدعةالمكروهة
فهى البدعة التى لها كراهة تتصل بكراهة شرعية مثل كثرة زخرفة المساجد ونقشها وكثرة زخرفة المصاحف ونقشها وكل هذه الاشياء من البدع المكروهة وليست محرمة .
البدعة المحرمة
هى التى تخالف احكام الشريعة مثل ما يحدث الآن من تفاخر بأمور الدنيا والجراءة على الله والرسول بهتك الحجاب عند النساء يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( صنفان من أهل النار لم ارهما الصنف الاول أقوام يضربون الناس بسياط كأذناب البقر والصنف الثانى نساء كاسبات عاريات مائلات مميلات رووسهن كاسنمة البخت لا يدخلن الجنه ولا يجدن ريحها وان ريحها ليوجد من قبل خمسمائة عام (1) .
وكل محدثة تخالف نصاً شرعياً فهى محرمة قال الأمام النووى قى شرحة لحديث فى صحيح مسلم ان البدعة تجرى عليها الاحكام الخمسة ، يعنى هناك البدعة المطلوبة وغير المطلوبة والعرب يستخدمون كلمة ( كل ) للعام الذى اريد به الخاص ايضاً قال تعالى ( ياخذ كل سفينة غصبا) (2) وهو لم ياخذ السفينة المخروقة فالمقصود هنا كل للعموم ويقصد بها التخصيص هذا فى ما يتعلق بحديث كل بدعة ضلالة . وليس كل مايقال بدعة يترك يجب أن نفرق بين البدعة الحسنة والبدعة السيئة .
والمسألة الثانية هى قاعدة الترك عند الاصوليين . ليس كل مالم يفعله النبي الكريم حرام ان الله يقول ( ما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) ولم يتحدث عن ما تركه الرسول الله صلى الله عليه وسلم فانه ترك اشياءظهرت من بعده ( كالميكروفونات ) فى الاذان وهذا من الدين وطبع المصاحف من الدين ايضاً ولم يفعله الرسول (ص) ولم يلبس الثياب بما عليه اليوم من خياط وحداثة فيها ونذهب بها الى المساجد وهذا من الدين ( خذوا زينتكم عند كل مسجد ) قد علمت ايها المسلم ليس كل مالم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم يترك إلا بقرينة تفيد الترك اى الأمر الذى تركه ونبه على تركه لعيب فيه فاذا وجدنا نصاً يقول الترك لأجل هذا الأمر يكون واضحاً اذ أنّ قاعدة الترك الأصولية((مطلق الترك ليس دليلا على المنع)) وهو أمر متفق عليه عند أهل العلم و انما يكون الترك مفيدا للمنع بثلاثه شروط:-
(1) قيام المقتضى
(2) انتفاء المانع
(3) ورود النص
وقد علمت أيها المسلم البدعة وأقسا مها فإن قلت البدعة الحسنة يدخل تحتها الوجوب ، المستحبة ، المباحة والبدعة السيئة يدخل تحتها البدعة الحرام والبدعة المكروهة . والله يقول الحق وهو يهدى سواء السبيل.