صداح سامي
عدد المساهمات : 30 تاريخ التسجيل : 09/07/2012
| موضوع: الفتح المبروك في كثير من آداب السلوك / من كتاب الرسائل الميرغنية الثلاثاء يوليو 17, 2012 3:02 am | |
| الرسالة الثالثة
الفتح المبروك في كثير من آداب السلوك تأليف [justify]الشريف الميرغني / السيد محمد عثمان بن السيد محمد أبي بكر
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه الإعانة بدءاً وختماً ، وصلى الله على سيدنا محمد ذاتاً ووصفاً واسما
الحمد لله الملك الكبير ، الذي ليس له نظير ، الجاعل من عباده الهدى إلى حضرة وداده ، المرشد من أراد منهم الوصول ، إلى حضرته وحضرات الرسول ، وجعل لهم آداباً يسلكون بها ، ومشايخ يقتدون بنسلها ، والأصل إتباع سيد السادات الجامع للكمالات ، صلى الله وسلم عليه ، ما لاحت بوارق الشهود لديه ، الناطق بجوامع الكلم ، والحائز للفيض المعمم ، والرمز الذي لا ينحل ، والطلسم الذي لا يعلمه سوى الأجل ، صلى الله وسلم عليه وآله وصحبه ومن آل إليه . وبعد : فقد سألني بعض السالكين ، أن أبين له بعض آداب المتوجهين ، فأجبته إلى ذلك ، راجياً لثواب ما هنالك ، قائلاً ما قاله الكليم الفخير : ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾ ووقع الإلهام قبل التمام :
(بالفتح المبروك في آداب السلوك)
فأقول وأنا الحقير السني ، محمد عثمان بن محمد أبو بكر السيد عبد الله ميرغني : إن مبنى طريق أهل الله ، على كتاب الله وسنة رسول الله ، وإن الحقيقة والشريعة متلازمان ، وليس بينهما فوات عند أهل العرفان ، كما قال بعضهم مشيراً لشأنهم :
وما في طريق القوم بدءاً ولا انتها *** وخلّ مقالات الذين تخبطوا مخالفة الشرع فاسمع وأنصتي *** ولا تخلي عن حكم كتابي وسني واعلم أن أول ما يجب على المريد ، معرفة المبدئي المعيد ، وأن يصحح عقيدته لكي يرث حال أهل طريقته ، ثم ما يقيم به الفروض ، يوم لا ينفع الجواهر ولا العروض ، ثم يعرف آدابنا ، وما ينبغي له معناه ، فأولاً لا بد من معرفته بشيخ به يعرف الطريق ، كامل التحقيق ، مأذون له بالتربية من الحضرة الإلهية له معرفة بالشريعة ، متوغل في علوم الحقيقة ، وأعني بمعرفة الشريعة ، ما يقوم به فروضه ، له معرفة بالمنازل ، وتحقق المناهل ، وله به المقابلة والأحوال مفهومة : ويعرف القواطع في الطريق ، وأحوال التعويق ، وهذا أقل من القليل ، إلا إن ساعف به الجليل ، بل إذا وجد الإخلاص قد شذ فقال :
وذا بنياس الزمان الأنور *** فكيف في هذا الزمان الأغبر أعز من كبريت سر أحمر *** يناله كل مجتر ومفتر ويقول الجيلي كان لي وله العلي: فإن ساعف المقدور وأنجزك القضا *** فقم لرضاه واتبع لمراده وكن عنده كالميت عند مغسل *** ولا تعترض في ما جهلت من أمره وسلم له في ما تراه ولو يك *** إلى حي شيخ في الحقيقة بارع ودع كل ما من قبل كنت تصانع *** يقلبه ما شاء وهو طائع عليه فإن الاعتراض تنازع *** على غير مشروع فثم قواطع فعبر بحرف (إن) الذي يقتضي الوجود وعدمه ، فأمعن ، فإذا وجدته فتب توبةً نصوحاً ، واصدق تنل فلاحاً ، وصل ركعتين وأنو فيهما التوبة عما لا يقتضيه نظره المتين ، وخذ عنه شيئاً من الذكر . واشغل به الفكر ، وإذا جلست بين يديه ، فأجلس جلوس الصلاة لديه ، وإذا تعبت فاجلس قريباً منه غاية النظر بالأدب فيها ، ولا تلتفت لغيره ، وما أمرك له فأفعله تنل خيره ، وكن بين يديه ومعه كالميت بين يدي مغسله ، يقلبه كيف يشاء ، ولا يخالفه فيما يشاء ، قائماً معه بالخدمة ، وغاية الحشمة ، مٌفد له بروحك ومالك ، وجسمك وجميع أحوالك ، تسعى فيما يرضيه ، ولا تلتفت لمؤذيه ، معامله بالصدق ، وهذا الذي عليه الحال ينطبق . إذ قال بعض الرجال : الصدق سيف قاطع ، وما له من دافع ، لا تتكلم معه إلا بحسب الحاجة ، إلا إن أفيضت عليك بعض المادة ، وأما أحواله مع ربه ، فأوله إذا جاء للطهارة ، يفعل ما يقوله صاحب الشفاعة ، فإذا جاء إلى الصلاة استحضر عظمة الله ، إذا قال الله أكبر ، شاهد عظمة البر ، وإذا رفع يديه عند استفتاح الصلاة التي عليه يشير لرفض الأكوان ، وتخلصه من رق الألوان ، فإذا قرأ الاستفتاح ، شاهد الإخلاص للفتاح ، فإذا بسمل شاهد الفعل ، بمن له القدرة والحول ، ثم يشاهد كذلك ذكره لله وذكر مولاه له : فإذا قرأ الفاتحة يشاهد : حمدني عبدي ، مجدني عبدي ، وهؤلاء بيني وبين عبدي ، هذا في أول الأقدام ، ثم بما يفتح به المتعال ، إلى أن خلص الصلاة وهو مستغرق في عظمة الله ، وإلا لم يفز بصلاته ، واستحق أن ترمى في وجهه ، ولو خوطب بعض السالكين وهو في الصلاة خطر له الخاطر حشيش ، فقيل له كما ذكره يا عبد الحشيش ، وكذلك من قلب عليه التحشيش ، وكل من غلب عليه شيء فهو عبده ، إن الله ينزل العبد من نفسه حيث أنزله العبد من نفسه ، ويحذر أن تلقى وترمى في وجهه ، فإذا فرغ من الصلاة استغفر مولاه مما جناه في الصلاة من الخواطر والنظر القاصر ، يسبح بالتسبيح ، ويقرأ ما له من راتب سميح ، ويشغل أغلب أوقاته بالذكر والحمد لله والشكر لله كما قال الله تعالى: ((أذكروا الله يذكركم واشكروه يكرمكم ))
وليكن أغلب أوقاته ملازماً للوضوء ، فإن سلاح المؤمن الوضوء ، وليقل عنده : بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليشغل عينه بالنظر فيما أمر به ، مثل التفكر في موضع سجوده ، وكذلك سمعه لتلاوة كتاب الله ، وأمثاله من المواعظ ، وحديث رسول مولاه ، ورجله يمشي بها إلى المساجد ، ويقف بها بين يدي الواحد ، مستمطر الفيوض والمعارف ، ويقول : يا إلهي ها أنا العبد الضعيف واقف بين يديك ، ومثل زيارة المريض ، والمشي وراء الجنائز له شأن عريض ، ويديه يقضي بها حوائج المسلمين ، ولا يصرفهما إلا فيما أمره المبين ، وفكره في ما أوجد الحق ، ويأخذ من كل شيء خُلُقا ، فمن الكلام التوكل ومن البحار وُسع الخلُق بالتأمل ، ولسانه يذكر ربه به ، وتلاوة كلامه وكلام نبيه مع التدبر ، لتظهر له الأبحر ، والوقوف على رأس كل آية ، والخشوع عند التلاوة ، وإذا مر بآية عذابً يستعيذ ، أو بآية رحمة يسأل المجيد ، يعتزل عن الخلق يقصد كفاية شره لهم ، ويحسن الظن بهم ، يشكر الله لإسداء نعمه ، ويتخلص من ريائه عجبه ، فإذا فتح له الباب فليحذر من الدعوى ، وليخف من الجلوى لأن فيها البلوى ، فإذا لاحت له بوارق الأكوان ، فليحذر من الوقوف مع سوى الديان ، وليقل : لا أريد سواه ، وليكن متأدباً مع شيخه ناظراً إمداده منه مُشاهداً حاله عنه ، لا يشكر الله من لا يشكر الناس ، وإياك والوقوف مدى الأنفاس ، واسمع ما يقول بعض أهل الله ـ كان لي وله مولاه ـ قال : كل حسنً تجلى بى تملى ، فقلت قصدي وراك ، ويعبر على شيخه حاله وما فتح له وعند ذلك يحذر من عبادة الأحوال ، حتى يجوز مناهل الرجال ، وعليه بالقمة الحلال ، فإنها رأس المال ، ويستمد ممن رآه من الصالحين ، ويواظب على قيام الليل فإن فيه كثيراً من التمكين ، والمشي إلى المساجد في الظلمة ، فإنه يورث النور التام يوم القيامة ، وبالتسليم لأهل الله ، فإن لهم في كل أمر دليل يعرفه أهله كما قال بعضهم
وسلم لأهل الله في كل مشكل *** لديك لديهم واضح بالأدلة وزيارة المقابر ، فإنها تفكر اليوم الآخر ، وليحذر فيها من الضحك فإنه يورث الظلمة في القبر وفيه الضنك ، ومن الجلوس على القبر فلأن يجلس على جمرة فتحرقه جسمه وتحرقه خير له من الجلوس على المقابر ، وليجاهد نفسه ، فمنها يظهر الأنس ، فإنها رأس الدعوى ، وفيها الجلوى والبلوى ، رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر : قال سيد البشر : والمقصود به جهاد النفس لتخرج إلى فضاء القدس ، والخواطر ثلاثة أنواع ، وأقرب ضابط به وأنفع ، ما وافق الشريعة فخذه ، وما خالفها فدعه ، فالشيطان يدعوا إلى لرجس والملكي يدعوا إلى القدس ، والرحمانى إلى أن يكون بالكبير الأنس ، والنفس ما دامت أمارة ، فاتبعها بالمجاهدة حتى ترجع لوامة كما قلت :
فإن جاهدة نفسك صرت فرداً *** وزد خلي تزد ذاك iiإطماناً وترقى من أمارتها إلى اللوم *** فراضية فمرضية iiلقوم فإذا خرجت من اللوم ، جاء الاطمئنان بالذكر دوام ، فإذا صارت راضية ، جاءت الفيوض طامية ، فإذا صارت مرضية ، فقد جاءت المحبوبية ، وذهبت الأنانية ، وصحت العبودية ، وهي المقصود عند خيار البرية ، وليكن نظرك إلى الأرض بين يديك ، متفكراً فيما منك وعليك ، عن الشَبهِ والشبهة ، وأزهد في الدنيا الدنية ، وخذ الله وكيلا ، وطريق الكسب فيه الخير الجليل ، فإن كنت من أهل الكسب ، فاتق الله يأتيك الوهب ، وانصح في معاملتك مع الخلق ، وسر معهم على قدم الصدق ]كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [ وعلى ما أظهرت من الغش حزينة ،
وأما التجريد فيحتاج إلى صنديد لا يشوف للخلق ، ولا ينظر إلا إلى الحق ولا تتشوف نفسه إلى شيء ما أتاه هكذا قبله ، وما أتام من الشوف تركه وواظب على الصلاة مع الجماعة ، فإنها رأس البضاعة ، وإذا أرت الحج فمن مالً حلال حج ، وإلا فهو مردود عليك ، يقال لك : لا لبيك ولا سعديك فعند تجردك للإحرام ، تجرد عن الانتقال بسوى الملك العلام ، فإذا لبيت فكن ناظراً مجاوبة الحق وكن إلى الخير ممن سبق ، فإذا شاهدت البيت ينزل بك حال فإن لم تراه فما بلغت مناهل الرجال ، أقدم مقبلا يمين الرحمن ، وبايعه أن لا تعود إلى شيء من العصيان ، وطف سبعاً مهرولاً في الثلاث الأول ، إشارة لمسارعتك لحضرة الأجل الأكمل ، وفي الأربع أمشي رويداً مجاهداً مشاهداً لوصول مرادك والمقاصد ، وصلى ركعتين عند المقام ، ومسابقة للخلة والإنعام ، فإن شأنها عظيم ، ومقامها سليم وتخيلها فخيم ، كما قيل
قد تخللت مسك الروح مني *** ولذا سمي الخليل خليلاً ثم أشرب ماء زمزم ، وأغسل باطنك الحاضر المذم ، ثم أسعى بين المروة
والصفا فإذا نلت سر ذلك ظهر لك حال الاصطفاء ، وهرول بين الجبلين الأخضرين ، إشارة إلى أنك تخلصت من الرين ، ومن المروءة تمسك بالمروة ولقد ذهب كمل أهلها دواماً لقوة كما قال :
مررت على المروءة وهي تبكي *** فقالت كيف لا أبكي وأهلي فقلت لها وما تبكي الفتاةُ *** جميعاً دون أهل الناس ماتوا ثم تسرولت في منى ، ظاهراً عليك أثر السنا ثم توجه صباحاً إلى عرفة ، وقف لتنال كمال المعرفة ، ثم ارجع إلى مزدلفة ، بأدب صحيح لإرشاد خلقه ، ثم بت وسر عنها صباحاً فهناك شعائر وإفلاحا ، وخف السير في مجسرِ ، إشارة لذهاب عن الاقتداء بكل ناجزة ، ثم أنزل بمنى لتحظى بكمال المنى ، وارم جمرات نفسك ، وأخلع عنك رجسك ، وأذبح مراد نفسك ، بسكين مخالفته وأحذر الإغواء وكن لها منتبها ، فإذا تممت بهذه الصورة المذكورة فقد حججت حج أهل المعرفة المذكور ، وإن لم تكن على هذه الكيفية فحجك حاله الضعف ، وإن قدرت فحج بعده ، فكل حج نشأةٌ أخرى يجدها اللطيف ثم توجه إلى المدينة لتخمر لك العجينة وهذا بعض آداب الحج ، لمن استطاع أن يحج ،
وأما آدابك مع رسوله صلى الله عليه وسلم فإنك تعظمه ، وتصلي عليه كلما أحد ذكره وتحبه هو وأهل بيته غاية المحبة وكذلك أصحابه ، وتتبع سنته ، وتسأل له عند قيام الصلاة والآذان ، الشفاعة ، والوسيلة وتحسن على من أحبه ، وتفنى فيه وفي محبته ، والآداب التي لشأنه كثيرة ، وأن لا تخليه من خاطرك هو وشيخك في أوقات كثيرة ، وصل عليه في كثير الأحيان ، وأبدأ بها دعائك وأختمه بها فإنه يقبل كما جاء عن أهل العرفان ، ولتغسل قبل الأكل وبعده يديك ، وتأتي بالمضمضة ، وتبسمل قبله ، وتحمد بعده ، ولا تأتي الصلاة وأنت تجري فيذهب الحضور المتين ، وإذا دخلت إلى المسجد فصلي ركعتين ، وواظب على الصف الأول وتعمم ، ولا تصل وحدك خلف الصف فتندم ، وطالع في كتب القوم كثيراً ، تحز مقاماً كبيراً ، فإذا أفيض عليك شيء فأكتم ، فمن أفشى لا شك يندم ، ولقد أفشيت بعض شيئاً في الابتداء ، فأوذيت بعض الإيذاء ، وأما إن تكلمت بعد التوسيط ، لذهب بعض مالك فتبسط ، ولا تزال تطلب الكمال فلا ، انتهاء عند الرجال . هذا بعض ما حضر من آداب السلوك ، بحسن ما أفاضه مالك الملوك ، لأني ما جمعت شيئاً بالمطالعة ، بل بحسن ما أفاضه الله ، ومن أراد التوسيع ، فعليه بكتب أهل الترفع ، وأما هذه ففيها ما يكفي للمبتدى ويستضئ به المتوسط المقتدى ، وأريد أن أتى بخاتمة في بعض ما يحتاج إليه السالك من الأدعية في بعض اللمحات والله بيده الهدايات .
| |
|
ودالمصطفى
عدد المساهمات : 182 تاريخ التسجيل : 23/06/2012 العمر : 44
| موضوع: رد: الفتح المبروك في كثير من آداب السلوك / من كتاب الرسائل الميرغنية الثلاثاء يوليو 17, 2012 3:27 am | |
| بارك الله فيك الحبيب الاخ صداح سامى للمجهود الجبار
والمشاركات القيمه جعل الله ذالك فى ميزان حسناتك | |
|