الطريقة الختمية
لأن مشربها من أساسنا الخاص ذي الأسرار المحمدية.
وها نحن نذكر سند السادة (النقشبندية) لأن أساسنا أكثره على مناويلها البهية ، لأن نصف أذكارها بالقلب والنصف باللسان ، وكان الأمر في بعض الأحيان على هذا البيان ، كما سيأتي في ترجمة سيدي بهاء الدين النقشبندي ، ثم بعده صار السلوك على الأذكار القلبية ، فنحن أحببنا إحياء النهجين من جمع بركات الطريقتين السنتين اللتين هما (القادرية) و(الشاذلية) فإن أذكارهما باللسان ، والعمل في كل ذلك على حضور الجنان ،
فأقول:
أولا أخذنا الطريقة (النقشبندية) عن سيدي (أحمد بن محمد بناه) الصائغ وكان مستور الحال من أهل مكة وكانت بصيرته مجلية ، وله رؤى نبوية وأسرار علية.
ثم أخذنا عن العارف بالله سيدي (الشيخ سعيد العمودي المكي) ساكن أبي قبيس ، ولهم به زاوية باسم جدهم لها على التقوى تأسيس ، وكنت أتردد إلي كل يوم صباحا ومساء لحضور المراقبة عنده وحصل لي بذلك ارتقاء ،وكان t يصوم الدهر كصيام سيدنا داود وربما والى الصوم كريم الفروع والجدود ،وكل من الشيخ (أحمد بناه والشيخ سعيد) المذكور ، أخذت الطريقة (النقشبندية) عن الشيخ العارف بالله من هو في السر مغمور ولي الله سيدي (الشيخ عبد القادر الهندي) وكان له في الولاية قدم به إلى الله إلى الله يهدي ، وذكر لي (الشيخ أحمد بناه) أن هذا الولي كان إذا خلت يده من الدنيا يأتي إليه ويأمره بقطعة رصاص فيجعلها في بوطة ويحمي عليها فيها وكان الشيخ (أحمد) صائغ ، قال: فيخرج (الشيخ عبد القادر) من رأسه قرطاسا فيه شيء أبيض فيضعه على ذلك الرصاص بعد ذوبانه فيصبه فيخرج سبيكة من ذهب فيتصرف بها وكان يفعل ذلك مرارا .
وأخذنا الطريقة (النقشبندية) أيضا عن شيخنا العارف بالله سيدي (أحمد بن إدريس) وهو ولد بالمغرب في أواخر القرن الثاني عشر بقرية يقال لها (القارة) من أعمال فاس وهو شريف إدريسي أخذ العلم ببلدة فاس وكان له مهارة في علوم الظاهر أخذها عن جملة علماء منهم سيدي العارف بالله تعالى (سيدي محمد المجيدري) أخذ عنه الطريقة (الشاذلية) و(الحزب السيفي) ، وأخذ (المجيدري) عن قطب الجان سيدي (محمد الغفوي) وهو عن سيدنا (علي بن أبي طالب) كرم الله وجه ، وأخذ الحقير الحزب المكور عن سيدي أحمد وعن الغفوي وعن سيدنا علي ، وأخذت عن السيد أحمد أيضا الطريقة (الشاذلية) وأخذ الطريقة (الشاذلية) سيدي (أحمد) عن شيخ إرشاده وتربيته سيدي (عبد الوهاب التازي) وكان هو غوث وقته ، صحبه سيدي (أحمد) أربع سنوات ففتح الله عليه وألحقه بمن عنده وكان فتح سيدي (السيد أحمد) عام ولادتي ، بل يوم فتحه يوم ولادتي وما توفيه سيدي (عبد الوهاب التازي) إلا وقد صار سيدي أحمد من أهل الأحوال العظيمة لأنه ذكر لي أنه شاهد النبي r يقظة يوم وفات سيدي (عبد الوهاب) ، ثم قال لي : نظرت إلى أكبر من كان من الأولياء في المغرب فكان سيدي (أبو القاسم الوزير) وكان من الأفراد وكان يقول: أنا لا أحس بحركة الكون من عرشه إلى فرشه إلا كحركة البعوضة ، وذلك لغيبته في الله وكان صحبة (سيدي أحمد) له أربع سنوات ، قال: كنت أتردد عليه كل يوم صباحا ومساء في المدة المذكورة ، أجلس عند باب داره فإن خرج إلينا يخبرنا بما لاح في ضميرنا أو دخل إنسان إليه فيخبره بما لاح في ضميره وسره ونحن في مكاننا ، أو خرج أحد من عنده فرآنا فعاد يخبره فيخرج إلينا ويتكلم معنا في بعض أسرار القوم ومقاما تهم ، وإن لم يخرج إلينا عدنا إلي مكاننا ويقول: المعاملة مع الله تعالى ، فأنظر إلى حسن هذه الآداب حال القوم مع مشايخهم ، قال (سيدي أحمد) : وكان في يوم من أيام اجتماعي بالشيخ المذكور أن قال لي يا أحمد كان لي صاحب من الأبدال من السودان فجاءني ليلة بالخطوة فقال : أخرج معي خارج البلد فخرجت معه فقال لي : أجلس هنا وذهب وغاب عني إلى آخر الليل وقال لي : يا فلان إنه سيظهر هنا قريبا رجل اسمه أحمد بن إدريس طالب علم ، وأنا ألقي إليك علوما فأخبره بها إذا جاءك ، قال (سيدي أحمد) : لما أخبرني قلت له هل تأذن لي أن أخبركم بذلك قبل أن تكلمني ؟ قال : أذنت لك ، قال (سيدي أحمد) فقلت له كذا وكذا إلى آخر تلك الأسرار فقال لي : هي ما تركت منها شيء ثم توجه (سيدي أحمد) إلى الحجاز وجاور بمكة مدة سنوات من عام إحدى عشر إلى عام ثمانية وعشرين من القرن الثاني عشر وفي هذه المدة صحبته وفتح الله علي ، ثم توجه إلى الصعيد من إقليم مصر ، وأقام بها نحو ست سنوات أو سبعا بقرية يقال لها (الزينية) ثم عاد إلى مكة وأقام بها إلى عام ثلاث وأربعين ثم توجه إلى اليمن وأقام بها عشر سنوات ، وتوفي بقرية يقال لها (صبية) عام ثلاث وخمسين ليلة السبت الثاني والعشرون من شهر رجب ، وتولى الغوثية وفي رأسها مات ، وكان أوحد وقته علما وحالا ولم أرى في وقتي مثله مع أني رأيت جملة أغواث أقطاب ، منهم سيدي (عبد الله القندقلي) ،وسيدي (أحمد أبو الربيع) ، وسيدي (محمد جامع) وآخر (وسيدي عبد الله) المتولي الآن ، فما رأيت في هؤلاء مثله أحد في المعرفة ولا في سعة الحال وصون الوقت وعلو الهمة ، ولا في غيرهم من كبار الأفراد الذين رأيتهم ولقد رأيتهم في أواخر مدة إقامته بمكة يوما جالسا بجانب باب الباسطية من المسجد الحرام ، ونظرت في عظم حاله والأنوار التي كانت عليه فكنت أرى أنه يخرج من لحيته الكريمة نور لو سرى نور شعرة منها في الدنيا لصار أهلها من الأولياء ، غير أن في آخر المدة كثر عليه اجتماع السفهاء من لا خلاق لهم فمنعهم مدده ، وخرج إليه جماعة من السودان وادعوا أنهم من أتباعه ونسبوا أنفسهم إليه ،ومنهم من كان من أصحابنا فسلبوا وصاروا خالين من أحوال طريق أهل الله ويتظاهرون للناس بأنهم من أتباعه وهو في الحقيقة برئ منهم ، ثم اجتمعوا على بعض من قد اجتمع بالأستاذ وحصل مدد ضعيف فخالطوه وخلطوا وخربطوا ، والرجل المذكور له معرفة بعلم الأسماء والاستخدامات الروحانية والجان وهذا أظنه جل رأس ماله وجل ما وجد من (سيدي أحمد) بعض أسرار هذه الأسماء فصارت همتهم كلها في ذلك ويتلمسون بالطريقة ولم يشموا رائحتها الحقيقية ، حفظني الله وأولادي وإخواني وأحبابي ومحبي من ذلك بجاه مصطفاه ، وثبتنا على الطريق المستقيم حتى نلقاه ، ثم المنة لله ورسوله أن جل وراثة الأستاذ سيدي (السيد أحمد بن إدريس) عندي وكنت أفهم منه ذلك لأنه كان يقول: أيام فتحي أيام ولادتك ، وأول ما فتح الله علي رأيتك وقيل لي: إن هذا خليفتك ووارثك ونحو ذلك فالحمد لله وأرجوا أن الله يعطي بعض ذريته بعض الأحوال على يدنا ، وهذا بحسب ما كنت أفهمه منه ،
وأخذ هو الطريقة (النقشبندية) عن شيخ إرشاده المذكور وله بعض أذكار أخذها شيخه عن سيدي الغوث (سيدي عبد العزيز الدباغ)
وهو أخذ سلوكه عن (الخضر عليه السلام) وسند الطريقة النقشبندية الذي عن سيدي عبد الوهاب التازي غير سنده عن الدباغ .
وأخذت بعض هذه الطرق عن سيدي وشيخي العالم العامل العارف عمي وصنو أبي (السيد محمد يس) وهو أخذ عن والده الجد (السيد عبد الله الميرغني المحجوب) وكان هذا الرجل صاحب قدم في الولاية إلا إنه كان مختفي ، قال: فقدت مقلمة لي كانت في جيبي وكنت بالمدينة ، وصار لي أمر مزعج ألجأني للرجوع لمكة ، فوقفت تجاه المواجهة وأنا متحير في الأمر ، وهو أن أمانات كانت في بيتي لبعض الأهل والأحباب ، وبلغني أن من تركته في بيتي جاء إلى المدينة وترك المحل بلا أقفال ولا أبواب محكمة وحين وقوفي في المواجهة وجدت السكين التي تركتها في جيبي فقلت: إن ذلك تطمين من النبي r وعلى نحو ذلك وبعض كرامات .
وأخذت الصلاة المشيشية ونحوها عن سيدي الوالد الولي (السيد محمد أبو بكر) وكان من الأولياء المستورين فذكر لي صادق أفندي بأسيوط وكان من أهل مكة وكان له تلق من الوالد قال : كنا بجبل السكراي بالطائف فجاء أخوك (السيد عبد الله) فقال: جاء مفتي الظاهر ، ثم جئت أنت فقال: جاء مفتي الباطن ، وأخبرني بهذه الواقعة قبل أن يتولى أخي المذكور الإفتاء بسنوات ، ورأيت النبي r بعد وفاة والدي في ليالي انتقاله فقلت: يا رسول الله أين والدي فقال لي فقال : {في مقعد صدق عند مليك مقتدر} . ولما انتهى الكلام على ذكر بعض مشايخي الذين تلقيت منهم وانتفعت بهم في طريق أهل الله أردت الكلام على السند الذي أغلب إجازاتنا به وهو سند الطريقة (النقشبندية) .
وها نحن نشرع في الكلام على الأساس الذي هو مبني طريقتنا قد تضمن كما قدمنا نهج الطريقة (النقشبندية) ، و(القادرية) و(الشاذلية) و(الجنيدية) و(الميرغنية) لأن فيه الاستغفار والكلمة والصلاة على النبي r وكل هذه الطرق مبناها وجل أوردها ذلك والطريقة (الميرغنية) مثلهم ولها طريق خاص وهو جلاء البصيرة بكثرة رؤية المصطفى r ، وكل الطرق لابد لها من ذلك لكن يتفاوت الحال في ذلك .